كلمة العدد

 

 

إلى متى يظل العرب مكتوفي الأيدي تجاه إغاثة الشعب السوري المنكوب؟

 

 

 

 

 

 

        الصحف الهندية حملت إلينا يوم الأحد: 29/يناير 2012م (5/ربيع الأول 1433هـ) نبأ فشل مهمة بعثة المراقبين العرب الذين كانوا قد توجّهوا إلى سوريا المنكوبة في 26/12/2011م (30/ محرم 1433هـ يوم الإثنين) وكان إرسال المراقبين إليها آخر ما راهن عليه الشعوب العربية لردع النظام السوري البعثي النصيري الأسدي عن جرائم القتل المتصلة بحق الشعب السوري المطالب بالحريّة. تلك الجرائم التي أودت بحياة نحو 6153 مدنيًّا بدءًا من 15/مارس 2011م حتى 3/يناير 2012م، منهم 390 قتيلاً في ظل وجود المراقبين العرب، والتي أدّت إلى اعتقال 100 ألف منذ بداية الكارثة.

     إن دور الحكومات العربية ذات المصالح المختلفة، والجامعة العربية ظَلَّ منذ البداية متباطئاً تباطؤ السلحفاة؛ حيث لم يحرك ساكنَها بفاعلية المجازرُ الوحشية التي ظل ينفذها النظام البعثي النصيري الشيعي العلماني بحق الشعب السوري العربيّ الذي نهض يطالب بالحريّة في ظل الربيع العربي الذي هبت رياحه في عدد من البلاد العربية المجاورة، فحاول النظام السوري البعثي العلماني المتنكر للدين والعقيدة أن يسحق شعبه بكل القوة، فأوغل في تقتيله وتعذيبه واعتقاله بأسواء الأساليب التي عرفها الدكاترة الوحشيّون.

     الواقع اليوم يُشَكِّل في سوريا ظاهرتين مختلفتين تمام الاختلاف ملفتتين للعالم كله: ظاهرة الشارع العربي السوري الذي يواصل مطالبته بحقوقه المشروعة، ويقدم ليل نهار قرابين من نفسه وماله، وظاهرة سلوك النظام السوري الغشوم الذي لايعرف إلاّ لغة التقتيل والاعتقال والتعذيب المتناهي لهذا الشعب، صَامّاً أذنيه عن الحقائق الماثلة في الشارع وعن مطالبة المعارضة الممثلة للشعب. وذلك إبقاءً على السلطة، واستمرارًا في ارتكاب الجرائم.

     وجامعةُ الدول العربيّة تتحرك في تباطؤ شديد، وتعطى النظام المهل بعد المهل، حتى تنفذ النصاب المقصود لديه من الجرائم وكبت الشعب، والإبادة الجماعيّة له.

     والمجتمع الدوليّ الغربي الأمريكي الصليبيّ الصهيونيّ الذي ظلّ يتدخّل ولايزال في كثير من الدول العربيّة دونما دعوة منها، حتى ينفذ مخططاته الصليبة الصهيونية يُعْمِي عينيه ويُصِمّ أذنيه عما يحدث في سوريا من جرائم وحشيـة يقوم بها النظام السوري، لماذا؟ أ لأنه لايوجد في سوريا الذهب الأسود أي البترول الذي من أجل نهبه يتدخل في البلاد العربية متسارع الخطو عن تخطيط مسبق بعيد المدى، أو لأن النظام السوري يحمي الدولة الصهيونية المزروعة في فلسطين، أو لأن هناك مخاوف من تضررها الدولة الصهيونية بشكل أو بآخر إذا تدخل في سوريا عسكريًّا؟.

     النظام السوري النصيري يتمادى في غيّه ويستمر في تقتيل شعبه وتعذيبه بوحشية منقطعة النظير؛ لأنه يعلم أن هذا المجتمع الدولي الذي تقوده الصهيونية والصليبية يتفرج على جرائمه، ولايتعرض له بسوء في القريب العاجل حمايةً لمصالحه ومصالح الدولة الصهيونية.

     كما أنه يجد من يقف بجانبه ويسانده بشكل علني ماديًّا ومعنويًّا، عسكريًّا وسياسيًّا، حيث إن الدولة الإيرانية الشيعيّة الشعوبيّة في إيران؛ والنظام العراقي الحالي الذي يسيطر عليه القادة الشيعيون المتعصبون ضد أهل السنّة، المُدَعَّمون على جميع الأصعدة من الدولة الشيعيّة الإيرانية؛ ودولة روسيا الممثلة لدور الاتحاد السوفياتي الشيوعي؛ وحزب الله الشيعي في لبنان، كلّها تدعم النظام الشيعي النصيري البعثي في سوريا، صادرةً عن منظور طائفي أو منظور مصلحي بغيض.

     إنه لمن المؤسف للغاية أن توجد هناك دول عربية قويّة مجاورة لسوريا؛ ولكن النظام السوري الطاغي لايخاف منها رادعاً؛ لأنه يعلم أنها تتوزعها مصالح مختلفة لاتدعها تتحد على رصيف أو موقف فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين، لأن الاستعمار الغربي الصهيوني الصليبي الذي جلا عن هذه الدول عسكريًّا لم يجل عنها سياسيًّا واقتصاديًّا، بل بسط عليها نفوذه بقوة أكثر وبأسلوب أشدّ؛ حيث لاتزال هذه الدولُ مستعمرةً للاستعمار الغربي الأمريكي الصهيوني الصليبي. والقادةُ والحكامُ في هاتي الدول كلها يستندون إليه في البقاء في الحكم والحفاظ على نفوسهم ومصالحهم؛ لأن رجال الاستخبارات الصهيونية الصليبية منبثون في كل مكان منها ويطيحون بمن يشاؤون من القادة والحكام في الدول العربية والإسلاميّة، كما أن الاستعمار الغربي الأمريكي الصهيوني الصليبي يهددهم كل وقت بالإقصاء عن الحكم أو بالهجوم العسكري أو بإثارة الشعوب ضدهم أو بإغرائها بالمطالبة بإقامة الديموقراطية في البلاد وطيّ بساط ماهم عليه من الدكتاتورية والإمارة والملوكية.

     إن «جامعة الدول العربية» التي هي منظمة الدول العربية ظلت هي الأخرى متفرجة على ما يجري في سوريا من اعتداءات رهيبة ضد الشعب السوري العربي المسلم من قبل النظام البعثي العلماني الشيعي الطاغي، وحتى ضدّ الخطة التي رسمها المراقبون العرب المُوَجَّهُون من قبلها جامعة الدول العربية من أجل حلّ الأزمة وحقن الدماء البريئة المراقة على أرض سوريا رخيصةً، ممايؤكد أن بعثة المراقبين لم يجن الشعب السوري المنكوب المُعَذَّب منها أيَّ فائدة، بل ثبت بكل الشواهد، أن إرسالها إلى سوريا كان عبثاً لايكون من ورائه طائل ألبتة، لأنه قُتِلَ في وجود المراقبين هؤلاء 390 شهيدًا، فثبت جليًّا أن الجامعة العربية المتمثلة في بعثة المراقبين لم تقدر بشكل ما على وقف حمامات الدم في هذه الأرض العربية الإسلامية ذات التاريخ المجيد.

     عارٌ على العرب أيُّ عار أن تراق الدماء العربية بهذا القدر من الرخص من قبل النظام الوحشي الذي لايحترم العهود والمواثيق، ولايخاف الله ولايستشعر خطراً على بقائه واستمراريته في ظل حكومات عربية مجاورة لايجمعها على رصيف الهدف المَوَحَّد جامعٌ؛ لأن مصالحها المتضاربة تفرقها؛ لأن ما حدث لحد اليوم يؤكد هشاشة العمل العربي المشترك في مواجهة تجاوزات النظام السوري الطاغي الذي يسحق شعبه ليل نهار بآليات حربية ودبابات عسكريّة؛ ولكنه لم يجترئ قط على رمي حجارة نحو الدولة الصهيونية التي ابتعلت من أرضه مرتفعات الجولان الاستراتيجية.

     وفشلُ مهمة بعثة المراقبين العرب لايعني إلاّ أنّ الردع العربي لم يأت على مستوى المطلوب لمواجهة النظام السوري الذي يتأكد أن النظام العربي القائم في الدول العربية ليس لديه قدرات الردع الكافية، فلا حاجة به النظام السوريّ إلى الاستجابة للمطالب العربية المتمثلة في التنازل عن الحكم والسلطة أو الإصلاح الجذري الشامل الذي يُعِيد إلى الشعب حريته الكاملة وكرامته الضائعة.

     والجدير بالذكر أن الخبراء كانوا يتنبأون بفشل مهمة المراقبين العرب منذ أن تمّ التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية لإرسال مراقبين إلى سوريا، نظراً إلى طبيعة المراوغة والخداع التي يحملها النظام السوريّ، ونظراً إلى قلة الصلاحيات المُخَوَّلَة للمراقبين الذين لم يُسْمَحُوا بالتحرك الحر المستقل، وإنما حُدِّد تحركهم ضمن الحماية التي يوفرها النظام السوريّ؛ لأن البروتوكول نصّ على منح البعثة وأعضائها وفقاً للقوانين واللوائح المعمول بها في الجمهورية العربية السورية ذات الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها خبراء الأمم المتحدة المشار إليهم في المادة السادسة من اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946م.

     وفعلاً إن وجود المراقبين في سوريا لم يُؤَثِّر على سلوك النظام الوحشي، واستمرّ في ارتكاب الجرائم، حيث سقط 390 من أفراد الشعب الأبرياء شهداء. وانتقد الخبراءُ والمُعَلِّقون العالميون سلوكَ المراقبين أنفسهم؛ حيث استخدموا وسائلَ النقل الحكومية، وتم تَنَقُّلُهم في سوريا بصحبة رجال الأمن والجيش، مما حَدَّ من حركتهم الحرة، ومَنَعَ النشطاء من الاقتراب منهم، وأثار اتهامهم بالخداع والإعاقة. وخلال وجود المراقبين أعملت الحكومة السورية المراوغةَ والتضليلَ؛ حيث سحبت الدبابات قبل وصول المراقبين، وأخفتها في مقرات حكومية ومخابئ وقاعات أفراح كبيرة، بالإضافة إلى سحبها لقوات الأمن من المناطق التي اعتزم المقراقبون التوجهَ إليها، في الوقت الذي كثفت فيه قوات الأمن عملياتها الوحشية ضد الشعب في مناطق أخرى.

     كما أن لجنة المراقبين لم تتمكن من تأكيد أن النظام السوري أفرج عن المعتقلين من عدمه؛ حيث إن منظمة «هيومن رايتش ووتش» لحقوق الإنسان اتهمت السلطات السورية بنقل مئات المعتقلين إلى منشآت عسكرية لإخفائهم عن أنظار المراقبين، وصرحت المنظمة أن شهود عيان أكدوا أن المعتقلين نُقِلُوا في سيارات جيب مدنية وشاحنات إلى مصنع للصواريخ في قرية «زيدل» شرقي «حمص». وكان قد صرح «نبيل العربي» الأمين العام لجامعة الدول العربية بدوره أن عمليات القتل ظلت مستمرة في سوريا خلال وجود المراقبين، وأن القنّاصة (Snipers) ظلوا يُهَدِّدُون أرواح المدنيين، مُؤَكِّدًا أن هذا موضوع يجب إثارته مع الحكومة السورية؛ لأن الهدف من إرسال المراقبين العرب هو وقف إطلاق النار وحماية المدنيين.

     على كل فبعدما فشلت مهمة المراقبين العرب في سوريا ماذا عسى العرب أن يفعلوا لحقن الدماء التي يريقها النظام السوري؟ الجهودُ العربيةُ لحلّ الأزمة تطوّرت من اجتماعات طارئة إلى تعليق العضوية إلى عقوبات اقتصادية وتلويح بالتحويل إلى مجلس الأمن الدولي إلى توقيع بروتوكول المراقبين وإرسالهم، واستغرق ذلك أكثر من شهرين. وها هي ذه قد فشلت مهمة بعثة المراقبين العرب، وها قد عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعه حول القضية. وقد نشرت الصحف الهندية يوم 2/ فبراير 2012م (9/ربيع الأول 1433هـ : الخميس) أن اجتماع مجلس الأمن انفض دونما جدوى، لأنه لم يتوصل إلى التدخل العسكري من عدمه، رغم أن دولة قطر طرحت هذا الخيارَ في الاجتماع؛ ولكن روسيا التي هي عضو دائم في المجلس رفضتِ الخيارَ وغيره من الخيارات الفاعلة، لأنها حليفة قوية لسوريا، ولها قاعدة عسكرية فيها، وهي تشحن لها بشكل دائم الأسلحة التي يحتاج إليها النظام السوري لسحق الحركة الشعبية. وقد صرحت دولة قطر أن جميع المساعي التي بُذِلَت لحد الآن لمنع الاعتداءات الحكومية ضد الشعب قد باءت بالفشل، وأن النظام لم يتحرك جدّيًّا للعمل بأي من العهود والمواثيق التي قطعها مع العرب أو مع المجتمع الدولي وأن آليات القتل والإبادة لاتزال مُمْعِنَةً في إبادة الشعب، مُطَالِبَةً مجلسَ الأمن باتخاذ خطوة فاعلة عاجلة لمنع النظام من تنفيذ وحشيته؛ ولكن روسيا صَرَّحت دونما لبس أنها ستستخدم حق النقض ضدّ أي قرار للتدخل الأجنبي في سوريا؛ مُعَلِّلة ذلك بأنّه يُمَهِّد السبيلَ لحرب أهلية وطائفية فيها لايمكن المجتمعَ الدوليَّ الحيلولةُ دونها.

     فالمُؤَشِّرات الحاليّة كلها تكشف أن المجتمع الدولي ليس لديه جدِّيّة فيما يتصل بحل الأزمة السورية، ولايودّ التعامل معها بالتعاطف الإنساني الذي ظلّ يتظاهر به في شأن كل من ليبيا والعراق وأفغانستان؛ لأنه كان له فيها مصالح استراتيجية كثيرة لا تقبل العدَّ، بينما سوريا، مصالحه الاستراتيجية تمنعه من التدخل السافر فيها؛ لأنه يعلم أن ذلك مُؤَدٍّ لا مَحَالَةَ أولاً وقبل كل شيء إلى تضرّر الدولة الصهيونية التي غَرَسَها هو في قلب العالم العربي: الأرض الفلسطينية؛ لكي تظل سرطاناً مؤلماً قاتلاً للجسم  الإسلامي العربي بالمجموع، لأمد بعيد لايعلم مداه إلاّ الله تعالى.

     فالشعب السوري لايمكن أن يُلَقَّن إلا الصبر والصمود لأمد طويل حتى يفرج الله عزّ وجلّ عنه مصيبته التي ستنفرج إن شاء الله؛ لأن الليل إذا اشتدّ ظلامه أسفر الصبح الوضّاء. وكذلك العسرة إذا اشتدت أعقبها اليسُر لامحالة. تلك هي سنة الله: ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وقد صدق الإمام الشافعي رحمه الله عند ما قال: لاتُمَكَّنُوا حتى تُبْتَلَوْا.

     أمّا النظام السوري فليس له اليوم أو غدًا وليس الغد ببعيد إلاّ الهروب إلى أي من الجهات التي تسانده أو البقاء في سوريا ليلقى المصير نفسه الذي لقيه القذافي الذي لم يتمكن من النجاة بعنترياته الفارغة وأقاويله الجوفاء.

نور عالم خليل الأميني

(تحريراً في الساعة 10:30 من ضحى يوم الخميس: 9/ ربيع الأول 1433هـ الموافق 2/ فبراير 2012م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الثاني 1433 هـ = مارس 2012م ، العدد : 4 ، السنة : 36